سورة يوسف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}
{وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ} الآية، وذلك أن بنو لمّا رجع إلى الملك وأخبره بما أفتاه به يوسف من تأويل رؤياه كالنهار، وعرف الملك أنّ الذي قال كائن، قال: ائتوني بالذي عبر رؤياي هذه، {فَلَمَّا جَآءَهُ الرسول} يوسف، وقال له: أخبر الملك أبى أن يخرج مع الرسول حتى يُظهر عذره وبراءته ويعرف صحة أمره من قبل النسوة فَ {قَالَ} للرسول {ارجع إلى رَبِّكَ} أيّ سيّدك يعني الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} والمرأة التي سجنت بسوء فعلها وروى عبدالحميد بن صباح البرجمي ومحمد بن حبيب الشموني عن أبي بكر بن عباس عن عاصم قرأ النسوة بضمّ النون.
{إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} إنّ الله تعالى بصنيعهنّ عالم، وقيل: معناه: إنّ سيدي قطفير العزيز عالم ببراءتي ممّا ترميني به المرأة.
قال ابن عباس: فأخرج يوسف يومئذ قبل أن يسلّم الملك لشأنه، فمازالت في نفس العزيز منه شيء يقول: هذا الذي راود امرأتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَد عَجبتُ من يوسف وكرمه وصبره، والله يغفر له حين سُئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حتى أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربّك، ولو كنتُ مكانه ولبث في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة ولبادرتهم الباب، وما ابتغيت الغفران كان حليماً ذا أناة».
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ}: الآية، في الكلام متروك قد استُغني عنه يدلّ الكلام عليه، وهو: فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالة، فدعا الملك النسوة اللاتي قطّعنَ أيديهنّ وامرأة العزيز فقال لهنّ: ما خطبكنّ: ما شأنكنّ وأمركنّ {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ}، فأحبنه {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} معاذ الله، {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق} أيّ ظهر وتبيّن والأصل فيه: حصّ وقيل: حصّص، كما قيل: كبكبوا في كبوا، وكفكف في كفّ، وردد في ردّ، وأصل الحَص استئصال الشيء، يقال حصَّ شعره إذا استأصله جَزّاً، وقال أبو قيس ابن الأصلت:
قد حصّت البَيضة رأسي فما *** أطعم نوماً غير تهجاع
وتعني بالآن حصحص الحقّ: ذهب الباطل والكذب وانقطع وتين الحق فظهر وبهر {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} فتنتُه عن نفسه، {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي}.
فلمّا سمع {ذلك} يوسف، قال: ليعلم ذلك الذي مضى من ردّي رسول الملك في شأن النسوة {لِيَعْلَمَ} العزيز.
{أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} في زوجته {بالغيب} في حال غيبتي عنه {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} واتّصل قول يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} بقول المرأة: {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} من غير تبيين، وفرّق بينهما لمعرفة السامعين معناه، كاتّصال قول الله تعالى: {وكذلك يَفْعَلُونَ} [النمل: 34] بقول بلقيس: {وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} [النمل: 34] وكذلك قول فرعون لأصحابه: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35] وهو متّصل بقول الملأ: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} [الشعراء: 35].
روى أبو عُبيدة عن الفراء أنّه قال هذا من أغمض ما يأتي في الكلام أنّه حكى عن رجل شيئاً ثمّ يقول في شيء آخر من قول رجل آخر لم يجر له ذكر.
وحدّثنا الحسين بن محمد بن الجهمين، عبدالله بن يوسف بن أحمد بن علي قال: حدّثنا علي بن الحسين بن مجلز، قال الحسن بن علي البغدادي، خلف بن تيم عن عطاء بن مسلم عن الخفاف عن جعفر بن نوفان عن ميمون بن مهران عن عبدالله بن عمر أنّ علي بن أبي طالب أتى عثمان وهو محصور فأرسل إليه السلام وقال إنّي قد جئتُ لأنصرك فأرسل إليه بالسلام وقال: جزاك الله خيراً، لا حاجة في قتال القوم، فأخذ عليّ عمامته عن رأسه، فنزعها فألقاها في الدار ثمّ ولّى وهو يقول: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين}.
قال أهل التفسير: لما قال يوسف هذه المقالة قال له جبرئيل: ولا حين هممت بها؟ فقال عند ذلك يوسف {وَمَآ أُبَرِّئُ نفسي} من الخطأ والزلل فاركبها، {إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء} بالمعصية {إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي} يعني إلاّ من رحمه ربي فعصم، و{مَآ} بمعنى مَن كقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} [النساء: 3] أي مَن طاب، وقوله إلاّ استثناء منقطع عمّا قبله كقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ * إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} [يس: 43-44] يعني إلاّ أن يُرحموا، فإنّ إذا كانت في معنى المصدر تضارع ما.
{إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فلمّا تبيّن للملك حق يوسف وعرف أمانته وعلمه، قال: {ائتوني بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أجعله خالصاً لي دون غيره، فلمّا جاء الرسول يوسف قال له: أجب الملك، الآن، فخرج يوسف ودعا لأهل السجن بدعوة تعرف إلى اليوم وذلك أنّه قال: اللهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار وأنعم عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في كّل بلدة، فلمّا خرج من السجن كتب على باب السجن: هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وحرقة الأصدقاء وشماتة الأعداء، ثمّ اغتسل يوسف عليه السلام وتنظّف من قذر السجن، ولبس ثياباً جدداً حساناً، وقصد الملك.
قال وهب: فلمّا وقف بباب الملك قال عليه السلام: حسبي ربي من دُنياي، وحسبي ربّي من خلقه، عزّ جاره، وجلّ ثناؤه ولا إله غيره.
ثمّ دخل الدار، فلمّا دخل على الملك قال: اللهمّ إنّي أسألك عزّك من خيره، وأعوذ بك من شرّه وشرّ غيره، فلمّا نظر إليه الملك سلّم عليه يوسف بالعربية، فقال له: الملك، ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمّي اسماعيل، ثمّ دعا له بالعبرانية، فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي.
قال وهب: وكان الملك يتكلّم بسبعين لساناً، فكلّما كلّم يوسف بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان، فأجابه الملك، فأعجب الملك ما رأى منه، وكان يوسف يومئذ ابن الاثين سنة، فلمّا رأى الملك حداثة سنة، قال لمن عنده: إنّ هذا علم تأويل رؤياي ولم يعلمه السحرة والكهنة، ثمّ أجلسه على سريره، وقال له: إنّي أحبّ أن أسمع رؤياي منك شفاهاً، فقال له يوسف: نعم، أيّها الملك، رأيت سبع بقرات سمان هب غرّ حسان، كشف لك عنهنّ النيل وطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافهنّ لبناً، فبينا أنت تنظر إليهنّ وتتعجّب من حسنهنّ إذ نضب النيل فغار ماؤه وبدا يبساً، فخرج من حمأته ووحله سبع بقرات عجاف شُعث غُبر مقلّصات البطون، ليس لهُنّ ضروع ولا أخلاف، ولهنّ أنياب وأضراس وأكفّ كأكف الكلاب خراطيم كخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافترسنهنّ افتراس السبع، فأكلن لحومهنّ ومزّقنَ جلودهنّ وحطّمن عظامهنّ وتشمشن مخّهنّ.
فبينا أنت تنظر وتتعجّب وإذا بسبع سنابل خضر وسبع أُخر سود في منبت واحد عروقهنّ في الثرى والماء، فبينا أنتَ تقول في نفسك: أنّى هذا؟ هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد، وأصولهنّ في الماء إذ هبّت ريح ذرّت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات فاشتعلت فيهنّ النار فاحرقتهنّ وصرنَ سوداً متغيّرات.
فهذا آخر ما رأيت من الدنيا ثمّ انتبهت من نومك مذعوراً، فقال الملك: والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كانت عجباً بأعجب ممّا سمعته منك، فما ترى في رؤياي أيّها الصدّيق؟ فقال يوسف: أرى أن تجمع الطعام، وتزرع الزرع الكثير في هذه السنين المخصبة وتبني الأهواء والخزائن، فتجعل الطعام فيها بقصبه وسنبله ليكون قصبه وسنبله علفاً للدواب، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيكفيك من الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، وتأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفي الشغل فيه؟ فقال: يوسف {اجعلني على خَزَآئِنِ الأرض} مجاز الآية: على خزائنّ أرضك وهي جمع الخزانة فدخلت الألف واللام خلفاً من الإضافة، كقول النابغة: والأحلام غيرُ كواذب.
{إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}: كاتب حاسب، قتادة: حفيظ لما وليت، علهم بأمره، ابن اسحاق: حفيظ لما استودعتني، عليمٌ بما وليّتني، شيبة الضبي: حفيظ لما استودعتني وعليمٌ بسنيّ المجاعة، الأعشى: حافظ للحساب عليم بالألسن أعلم لغة من سألني، الكلبي: حفيظ التقدير في هذه السنين الجدبة، عليمٌ بوقت الجوع متى يقع، وقيل: حفيظ لما وصل إليّ عليم بحسابة المال، فقال له الملك: ومَن أحقّ به منك؟ فولاّه ذلك، وَقَالَ لَهُ: {إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} ذو مكانة ومنزلة، أمين على الخزائن، روى جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل: اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنّه أخّر ذلك سنة فأقام عنده في بيته سنة مع الملك.».
روى سفيان عن أبي سنان عن عبدالله بن أبي الهذيل، قال: قال الملك ليوسف: إنّي أُريد أن تخالطني في كلّ شيء غير أنّي آنف أن تأكل معي، فقال يوسف عليه السلام: أنا أحقّ أن آنف، أنا ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، فكان يأكل بعدئذ معه.
روى حمزة الريّان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، قال: لما رأى العزيز رأي يوسف وظرفه دعاه وكان يتغدّى ويتعشى معه دون غلمانه، فلمّا كان بينه وبين المرأة ما كان، قالت له مرّة: فليتغدّ مع الغلمان، فقال: اذهب فتغدّ مع الغلمان فقال له يوسف في وجهه استنكفتَ أن تأكل معي، أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله إبن إبراهيم خليل الله.
روى مقاتل عن يحيى بن أبي كثير أنّ عمر بن الخطاب عرض على أبي هريرة الإمارة فقال: لا أفعل ولا أريدها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طلب الإمارة لم يعدل» فقال عمر: لقد طلب الإمارة من هو خير منك، يوسف عليه السلام، قال: اجعلني على خزائن الأرض.
روى بن اسحاق عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما انصرمت السنة من يوم سأل الإمارة دعاه الملك فتوَّجَهُ ورَدَّأُهُ سيفه، ووضع له سريراً من ذهب، مكلّلا بالدرّ والياقوت، وضرب عليه حلّة من استبرق، وكان طول السرير ثلاثين ذراعاً وعرضه عشرة أذرع، عليه ثلاثون فراشاً وتسعون مرفقة، ثمّ أمره أن يخرج فخرج متوّجاً، لونه كالثلج ووجهه كالقمر، يرى الناظر وجهه في صفاء لون وجهه، فانطلق حتى جلس على السرير ودانت له الملوك، ودخل الملك بيته مع نسائه، وفوّض إليه أمر مصر، وعزل قطفير عمّا كان عليه وجعل يوسف مكانه.
قال ابن اسحاق: قال ابن زيد: وكان لفرعون ملك مصر خزائن كثيرة غير الطعام، فسلّم سلطانه كلّه إليه، وجعل أمره وقضاءه نافذاً، ثمّ أنّ قطفير هلك في تلك الليالي فزوّج الملك يوسف راحيل إمرأة قطفير، فلمّا دخل عليها قال: أليس هذا خيراً مما كنتِ تريدين؟ فقالت: أيّها الصدّيق لا تلمني فإنّي كنتُ امرأة حسناء ناعمة كما ترى، في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في حُسنك وهيئتك فغلبتني نفسي، فوجدها يوسف عذراء فأصابها فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف ومنشا بن يوسف.
واستوسق ليوسف ملك مصر وأقام فيهم العدل فأحبّه الرجال والنساء فذلك قوله تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} يعني أرض مصر: أي مكّناه {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا} أين نزل {حَيْثُ يَشَآءُ}: ويصنع فيها ما يشاء، والبواء المنزل يقال: بوّأته فتبوّأ، وقرأ أهل مكّة: حيث نشاء بالنون ردّاً على قوله مكّنا وبعده، {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ} أي بنعمتنا.
{وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} قال ابن عباس ووهب: يعني الصابرين كصبره في البئر، وصبره في السجن وصبره في الرق، وصبره عما دعته اليه المرأة، قال مجاهد وغيره: فلم يزل يدعو ويتلطف له حتى أسلم الملك وكثير من الناس فهذا في الدنيا {وَلأَجْرُ الآخرة} نعيم الآخرة {خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} قال البحتري:
أما في رسول الله يوسف أسوة *** لمثلك محبوساً [...]
أقام جميل الصبر في الحبس برهة *** فآلَ به الصبرُ الجميلُ إلى الملك
وكتب بعضهم إلى صديق له:
وراء مضيق الخوف مُتّسعُ الأمنِ *** وأوّل مفروح به آخر الحُزن
فلا تيأسَنْ فالله مَلَّك يوسفاً *** خزائنه بعد الخلاص من السجن


{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)}
قالوا: فلمّا أطمأنّ بيوسف ملكه دخلت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة أصاب الناس الجوع وجاءت تلك السنون [.......] وكان ابتداء القحط، بينا الملك ذات ليلة أصابه الجوع نصف الليل، وهتف الملك: يا يوسف الجوع الجوع فقال: هذا أوّل القحط، فلمّا دخلت السنة الأُولى من سنيّ الجدب هلك فيها كلّ شيء أعدّوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف، فباعهم أوّل سنة بالنقود حتى لم يبق في مصر دينار ولا درهم إلاّ قبضه، وباعهم في السنة الثانية بالحُليّ والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء، وباعهم بالسنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم بالسنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أَمَة في يد أحد منهم، ثمّ باعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقّهم، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حُرّة إلاّ صار عبداً له، حتى قال الناس: تالله ما رأينا كاليوم ملكاً أجلّ ولا أعظم من هذا، ثمّ قال يوسف لفرعون كيف رأيت صنيع ربّي فيما خوّلني، فما ترى لي؟ قال الملك: الرأي رأيك، وإنّما نحن لك تبع، قال: فإنّي أشهد وأشهدك أنّي أعتقتُ أهل مصر عن آخرهم ورددتُ عليهم أموالهم أملاكهم.
وروي أنّ يوسف عليه السلام كان لا يشبع من طعام في تلك الأيّام، فقيل له: تجوع وبيدك خزائن الأرض، فقال: أخاف أن شبعتُ أن أنسى الجائع، وأمر يوسف أيضاً طباخي الملك أن جعلوا الغداة نصف النهار، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين، ويُحسن إلى المُحتاجين، ففعل الطهاة ذلك، ومن ثمّ جعلت الملوك غداءهم نصف النهار.
قالوا: وقصد الناس مصر من كلّ حدب يمتارون، فجعل يوسف لا يمكّن أحداً منهم وإن كان عظيماً بأكثر من حمل بعير تقسيطاً بين الناس وتوسّعاً عليهم، وتزاحم الناس عليه، قالوا: وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام من القحط والشدّة ما أصاب سائر البلاد، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس فأرسل بنيه إلى مصر للميرة، فأمسك بنيامين أخا يوسف لأُمّه فذلك قوله تعالى: {وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} وكانوا عشرة، وكان منزلهم بالقربات من أرض فلسطين ثغور الشام، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة {فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ} يوسف وأنكروه لما أراد الله أن يبلغ يوسف فيما أراد.
قال ابن عباس: وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا مصر أربعين سنة فلذلك أنكروه وقيل: إنّه كان مُتّزياً بزيّ فرعون مصر، عليه ثيات حرير، جالس على سريره، وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج، فلذلك لم يعرفوه، وكان بينه وبينهم ستر ولذلك لم يعرفوه.
قال بعض الحكماء: المعصية تورث الكبرة، قال الله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} فلمّا نظر إليهم يوسف وكلّموه بالعبرانية، قال لهم: أخبروني من أنتم؟ وما أمركم؟ فإنّي أنظر شأنكم، قالوا: نحنُ قومٌ من أهل الشام رُعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار، قال: لعلّكم عيون تنظرون عورة بلادي، قالوا: والله ما نحن جواسيس وإنّما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صدّيق يُقال له: يعقوب، نبي من أنبياء الله، قال: وكم أنتم؟
قالوا: كُنّا إثني عشر فذهب أخٌ لنا إلى البريّة فهلك فيها، وكان أحبّنا إلى أبينا، فقال: فكم أنتم ها هنا، قالوا: عشره، قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا لأنّه أخ الذي هلك من أُمّه، وأبونا يتسلّى به، قال: فمن يعلم أنّ الذي تقولون حقّ؟ قالوا: أيّها الملك إنّا ببلاد لا يعرفنا أحد، قال يوسف: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين، فأنا أرضى بذلك. قالوا: إنّ أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه وإنّا لفاعلون، قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف وأبرّهم به فخلّفوه عنده، فذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ} يعني حمل لكل رجل منهم بعيراً بعدّتهم، {قَالَ ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ} يعني بنيامين، {أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل} أي لا أبخس الناس شيئاً وأُتمّ لهم كيلهم فأزيد لكم حمل بعير في خراجكم، وأكرم ثواكم، وأُحسن إليكم، {وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين} المُضيّفين.
{فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي} ليس لكم عندي طعام أكيله لكم {وَلاَ تَقْرَبُونِ} ولا تقربوا بلادي بعد ذلك، وهو جزم يدلّ على النهي.
{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} نطلبه ونسأله أن يُرسله معنا، قال ابن عباس: سنخدعه حتى نخرجه معنا، {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ما أمرتُ به.
{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} أي لغلمانه الذين يعملون بالطعام، قرأ الحسن وحميد ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص، لفتيانه بالألف والنون وهو اختيار أبي عبيدة، وقال: هي في مصحف عبدالله كذلك، وقرأ الباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان مثل الصبيان والصبية.
{اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ} أي طعامهم، قال قتادة: أوراقهم، الضحّاك عن ابن عباس قال: كانت النعل والأدم، {فِي رِحَالِهِمْ} في أوعيتهم وهي جمع رحل، والجمع القليل منه الرحيل، قال ابن الأنباري: يقال للوعاء: رَحل وللمسكن رحل.
{لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا} انصرفوا، {إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إليّ واختلف العُلماء في السبب الذي فعل يوسف من أجله، فقال الكلبي: تخوّف يوسف أن لا يكون عند أبيه من الورق فلا يرجعون مرّة أخرى، وقيل: خشي أن يضرّ أخذه ذلك منهم بأبيه؛ إذ كانت السنة سنة جدب وقحط، فأحبّ أن يرجع إليه، وإنِّما أراد أن يتّسع به أبوه، وقيل: رأى لو أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرّماً وتفضّلا.
وقيل: فعل لأنّه علم أنّ ديانتهم وأمانتهم تحملهم على ردّ البضاعة ولا يستحلّون إمساكها فيرجعون لأجلها، وقيل: أبدا لهم كرمه في ردّ البضاعة وتقديم الضمان في البِرّ والإحسان ليكون أدعى لهم إلى العود إليه طمعاً في برّه.
{فَلَمَّا رَجَعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا} قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، قال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك بمصر فاقرؤوه منّي السلام وقولوا له: إنّ أبانا يُصلّي عليك ويدعو لك بما أوليتنا، ثمّ قال: أين شمعون؟ قالوا: إنّه عند ملك مصر وأخبروه بالقصّة، فقال: ولم أخبرتموه؟ قالوا: إنّه أخذنا وقال: إنّكم جواسيس عندما كلّمناه بلسان العبرانيين، وقصّوا عليه القصّة.
{مُنِعَ مِنَّا الكيل فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا} بنيامين {نَكْتَلْ} قرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي يكتل بالياء يعني يكتل لنفسه هو كما كنّا نكتل نحن، وقرأ الآخرون بالنون بمعنى نكتل نحن، واختاره أبو عبيد {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} يعقوب، {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ} يوسف {مِن قَبْلُ فالله خَيْرٌ حَافِظاً} قرأ ابن محصن ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي: حافظاً بالألف على التمييز والتفسير، كما يُقال: هو خيرٌ رجلا، ومجاز الآية خيركم حافظاً فحذف الكاف والميم، ويدلّ عليه أنّها مكتوبة في مصحف عبدالله: والله خيرُ الحافظين.
وقرأ الآخرون حفظاً بغير الألف على المصدر بمعنى خيركم حفظاً واختلفَ فيه عن عاصم {وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين}.
{وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ} الذي حملوه من مصر {وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ} ثمن الطعام {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ ياأبانا مَا نَبْغِي} أي ماذا نبغي؟ وأي شيء نطلب وراء هذا؟ أوفى لنا الكيل وردّ علينا الثمن، أرادوا بذلك أن يُطيّبوا نفس أبيهم، و{مَا} استفهام في موضع نصب ويكون معناه جحداً كأنّهم قالوا: لسنا نُريد منك دراهم.
{هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} ونشتري لهم الطعام فنحمله إليهم، يقال مار أهله يَمير مَيراً فهو ماير، إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده في مثله امتار يمتار امتياراً، قال الشاعر:
بعثتك مائراً فمكثت حولا *** متى يأتي غياثك من تغيثُ
وقال آخر:
أتى قريةً كانت كثيراً طعامها *** كعفر التُراب كل شيء يميرها
{وَنَحْفَظُ أَخَانَا} بنيامين {وَنَزْدَادُ} على أحمالنا {كَيْلَ بَعِيرٍ} لنا من أجله {ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ}: لا مؤونة فيه ولا مشقّة، وقال مجاهد: كيل بعير يعني: حمل حمار، قال: وهي لغة يُقال للحمار بعير، {قَالَ} لهم يعقوب: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِ} تعطوني {مَوْثِقاً مِّنَ الله} يعني تحلفوا لي بحقّ محمّد خاتم النبيين وسيد المُرسلين أن لا تغدروا بأخيكم {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} وإنّما دخلت فيه اللام لأنّ معنى الكلام اليمين {إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} إلاّ أن تهلكوا جميعاً، قاله مجاهد، وقال قتادة: إلاّ أن يُغلبوا حتى لا يطيقوا ذلك.
{فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} أعطوه عهودهم، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: حلفوا له بحقّ محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته من ربّه {قَالَ} يعقوب {الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} أي شاهد وحافظ بالوفاء، وقال القتيبي: كفيل، وقال كعب: لمّا قال يعقوب: فالله خيرٌ حافظاً، قال الله جلّ ذكره: وعزّتي لأردّن عليك كليهما بعدما توكّلت عليّ، وقال لهم يعقوب لما أرادوا الخروج هذا، {وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ} مصر {مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} وذلك أنّه خاف عليهم العين لأنّهم كانوا ذوي جمال وهيئة وصور حسان وقامات ممتدّة، وكانوا ولد رجل واحد، وأمرهم أن يفترقوا في دخولها ثمّ، قال: {وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ} علم عليه السلام أنّ المقدور كائن، وأنّ الحذر لا ينفع من القدر، وما أغني عنكم من الله من شيء {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} وإلى الله فليفوّض أمورهم المفوّضون.
{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم} وكان لمصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوابها كلّها، {مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ} صدّق الله تعالى يعقوب فيما قال: {إِلاَّ حَاجَةً} حزازة وهمّة في نفس يعقوب {قَضَاهَا} أشفق عليهم إشفاق الآباء على أبنائهم {وَإِنَّهُ} يعقوب {لَذُو عِلْمٍ لِّمَا}: أي مما {عَلَّمْنَاهُ} يعني لتعليمنا إيّاه، قاله قتادة، وروى سفيان عن ابن أبي عروة قال: إنّه العامل بما علم، قال سفيان: من لا يعمل لا يكون عالماً، وقيل: إنّه لذو حظّ لِما علّمناه.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ما يعلم يعقوب، أي لا يعرفون مرتبته في العلم.
{وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ} قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به، قد جئناك به فقال لهم: أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي، ثمّ أنزلهم فأكرم منزلهم ثمّ أضافهم وأجلس كلّ اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحيداً، فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيّاً لأجلسني معه، فقال لهم يوسف عليه السلام: لقد بقي هذا أخوكم وحيداً، فأجلسه على مائدته فجعل يُؤاكِله.
فلمّا كان الليل أمرَ لهم بمثل أي فرش، فقال: لينم كلّ أخوين منكم على مثال، فلمّا بقي بنيامين وحده، قال يوسف عليه السلام: هذا ينام معي على فراشي فبات معه فجعل يوسف يضمّه إليه ويشمّ خدّه حتى أصبح فجعل روبيل يقول: ما رأينا مثل هذا، فلمّا أصبح قال لهم: إنّي أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان فسأضمّه إليّ فيكون منزله معي، ثمّ أنزلهم معه، وأجرى عليهم الطعام والشراب وأنزل أخاه لأمّه معه فذلك، قوله تعالى: {آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} فلمّا خلا به قال له: ما اسمك؟ قال: بنيامين.
قال ابن من يا بنيامين؟ قال: ابن المثكل، وذلك أنّه لما ولد هلكت أُمّه، قال: وما اسمها؟ قال: راحيل بنت لاوي بن ناحور، قال: فهل لك بنون؟ قال: نعم، عشر بنين وقد اشتققتُ أسماءهم من اسم أخ لي من أُمّي هلك، قال: لقد اضطرّك إلى ذاك حزن شديد، قال: فما سمّيتهم؟ قال: بالعا وأحيرا وأثكل وأحيا وكنر ونعمان وادر وأرس وحيتم وميثم، قال فما هذه؟ قال: إما بالعاً فإنّ أخي قد ابتلعته الأرض، وأما أخيرا فإنّه بكر أبي لأُمّي، وأمّا أثكل فإنّه كان أخي لأبي وأُمي وسنّي، وأما كثير فإنّه خير حبيب كان، وأمّا نعمان فانه ناعمٌ بين أبويه وأمّا أدّر فإنّه كان بمنزلة الورد في الحُسن، قال: وأما أرس فإنّه كان بمنزلة الرأس من الجسد، وأما حيتم فأعلمني أنّه حيّ، وأمّا ميثم فلو رأيته قرّت عيني.
فقال يوسف: أتُحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ فقال بنيامين: ومن يجد أخاً مثلك؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه وعانقه و{قَالَ} له: {إني أَنَاْ أَخُوكَ} يوسف {فَلاَ تَبْتَئِسْ} فلا تحزن {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} لشيء فعلوه بنا فيما مضى؛ فإنّ الله قد أحسن إلينا ولا تُعلمهم شيئاً ممّا علمت.
وقال عبدالصمد بن معقل: سمعت وهب بن منبه وسئل عن قول يوسف لأخيه: {إني أَنَاْ أَخُوكَ}، فقيل له كيف آخاه حين أخذ بالصواع وقد كان أخبره أنّه أخوه، وأنتم تزعمون أنّه لم يزل متنكّراً لهم يكابرهم حتى رجعوا؟ فقال: إنّه لم يعترف له بالنسبة ولكنّه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك، ومثله قال الشعبي، قال: لم يقل له: أنا يوسف، ولكن أراد أن يُطيّب نفسه.
ومجاز الآية أي: أنا أخوك بدل أخيك المفقود فلا تبتئس بما كانوا يعملون فلا تشتكِ ولا تحزن لشيء سلف من أخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أُمّك، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك، ثمّ أوفى يوسف لإخوته الكيل وحمل لهم بعيراً، وحمل لبنيامين بعيراً باسمه كما حَمل لهم، ثمّ أمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين، قال السدّي: جعل السقاية في رحل أخيه، والأخ لا يشعر.
قال كعب: لما قال له: إني أنا أخوك قال بنيامين: فأنا لا أفارقك، قال يوسف عليه السلام: قد علمتُ عنهم والدي بي، فإذا حبستك ازداد غمه، فلا يمكنني هذا إلاّ أن أُشهرك بأمر وأنسبك إلى ما لا يجمل بك، قال: لا أُبالي فافعل ما بدا لك فإنّي لا أُفارقك.
قال: فإنّي أدسُّ صاعي هذا في رحلك ثمّ أُنادي عليك بالسرقة لجهازي ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك، قال: فافعل، فذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي لما قضى لهم حاجتهم، {جَعَلَ السقاية}: وهي المشربة التي كان يشرب بها الملك، قال ابن زيد: وكان كأساً من ذهب فيما يذكرون، وقال ابن إسحاق: هو شيء من فضّة، عكرمة: مشربة من فضّة مُرصّعة بالجواهر، جعلها يوسف مكيلا لئلاّ يكال بغيرها وكان يشرب بها، سعيد بن جُبير: هو المقياس الذي يلتقي طرفاه وكان يشرب بها الأعاجم وكان للعباس منها واحدة في الجاهلية، والسقاية والصواع واحد، {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} في متاع بنيامين، ثمّ ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ومضوا ثمّ أمر بهم فأُدركوا وحُبسوا.
{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} نادى مناد، {أَيَّتُهَا العير} هي القافلة التي فيها الأحمال، قال الفرّاء: لا يُقال عِير إلاّ لأصحاب الإبل، وقال مجاهد كانت العِير حميراً.
{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قفوا، فوقفوا، فلمّا انتهى إليهم الرسول قال لهم: ألم نكرم ضيافتكم ونُحسن منزلكم ونُوفِكم كيلكم ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم؟ قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك، فقال: إنّه لا يُتَّهم عليها غيركم، فذلك قوله تعالى: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ} عطفوا على المؤذّن وأصحابه: ماذا تفقدون؟ ما الذي ضلّ منكم؟ فالفقدان ضدّ الوجود، والمفقد: الطلب.


{قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
{قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الملك} واختلف القُرّاء في قراءة ذلك، فروى قثم عن داود بن أبي هند عن مولى بني هاشم عن أبي هُريرة أنّه قرأ صاع الملك، وقرأ أبو رجاء صوع، وقرأ يحيى بن معمر صوغ بالغين، فإنّه وجهنا إلى مصر، صاغ يصوغ صوغاً، وجمع الصواع صيعاً، وجمع صاع أصواع.
{وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} من الطعام {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} كفيل يقوله المؤذّن، وأصل الزعيم: القائم بأمر القوم، ويُقال للرئيس زعيم، يُقال: زعم، زعامة وزعاماً، قالت ليلى الأخيلية:
حتى إذا رفع اللواء رأيتُه *** تحت اللواء على الخميس زعيماً
و {قَالُواْ} يعني اخوة يوسف، {تالله} أي والله، أصلها الواو قلبت تاء كما فعل القراء في التقوى والتكلان والتراب والتخمة، وأصلها الواو، والواو في هذه الحروف كلّها حرف من الأسماء، وليست كذلك في تالله لأنّها إنّما هي واو القسم وإنّما جعلت بالكثرة ما جرى على ألسن العرب، هم زعموا أنّ الواو من نفس الحرف فقلبوها تاء، ووضعت في هذه الكلمة الواحدة دون غيرها من أسماء الله تعالى.
{لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} فإن قيل: من أين علموا ذلك؟ الجواب عنه: قال الكلبي قال: إن فتى يوسف وهو المؤذّن قال لهم: إنّ الملك ائتمنني بالصاع وأخاف عقوبة الملك، فلي اليوم عنده مقولة حسنة، فإن لم أجده تخوّفت أن تسقط منزلتي وأفتضح في مصر، قالوا: لقد علمتم ما جئنا لنفس في الأرض إنا منذ قطعنا هذا الطريق لم ننزل عند أحد ولا أفسدنا شيئاً وسلوا عنا من مررنا به، هل ضررنا أحداً؟ أو هل أفسدنا شيئاً؟ وإنّا قد رددنا الدراهم كما وجدنا في رحلنا، فلو كنّا سارقين ما رددناها.
قال فتى يوسف: إنّه صواع الملك الأكبر الذي يكتال فيه، وقال بعضهم: إنّما قالوا ذلك لأنّهم كانوا معروفين أنّهم لا يتناولون ما ليس لهم، وقيل: إنّهم كانوا حين دخلوا مصر كمّوا أفواه دوابهم لكي لا تتناول من حروث الناس.
فإن قيل: كيف استجاز يوسف تسميتهم سارقين؟
قيل: فيه جوابان: أحدهما أنّه أضمر في نفسه أنّهم سرقوه من أبيه، والآخر أنّه من قول المنادي لا من أمر يوسف والله أعلم.
{قَالُواْ} يعني المنادي وأصحابه، {فَمَا جَزَآؤُهُ} ثوابه قال الأخفش: إن شئت رددت الكناية إلى السارقين، وإن شئت رددتها إلى السَّرَق {إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ} في قولكم: {ما كنّا سارقين}.
قالوا: {جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} أن يسلِّم سرقته إلى المسروق منه، ويسترقّ سنة، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق {كذلك نَجْزِي الظالمين} الفاعلين ما ليس لهم فعله من أخذ مال غيره سرقاً، وأما وجه الكلام فقال الفرّاء من في معنى جزاؤه، ومن معناها الرفع بالهاء التي جاءت وجواب الجزاء الفاء في قوله: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} ويكون قوله: {جَزَاؤُهُ} الثانية مرتفع بالمعنى المجمل في الجزاء وجوابه، ومثله في الكلام أن يقول: ماذا لي عندك؟ فيقول: لك عندي أن بشّرتني فلك ألف درهم كأنّه قال: لك عندي هذا، وإن شئت الجزاء مرفوعاً بمن خاصّة وصلتها كأنّك قلت: جزاؤه الموجود في رحله، كأنّك قلت: ثوابه أن يسترق في المستأنف أيضاً فقال: فهو جزاؤه، وتلخيص هذه الأقاويل: جزاؤه جزاء الموجود في رحله، أو جزاؤه الموجود في رحله.
تمّ الكلام.
وقال مبتدئاً فهو جزاؤه فقال الرسول عند ذلك: إنّه لابدّ من تفتيش أمتعتكم ولستم سارقين حتى أفتّشها فانصرف بهم إلى يوسف، {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ} لإزالة التهمة {قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ} وكان فتّش أمتعتهم واحداً واحداً، قال قتادة: ذكر لنا أنّه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر في وعاء إلاّ استغفر الله تأثّماً ممّا قذفهم به، حتى إذا لم يبق إلاّ الغلام، قال: ما أظنّ هذا أخذ شيئاً، فقال أخوته: والله لا نتحرّك حتى تنظر في رحله، فإنّه أطيب من نفسك وأنفسنا، فلمّا فتحوا متاعه استخرجوه منه فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} وإنّما أتت الكناية في قوله استخرجها والصواع مذكر، وقد قال الله تعالى: {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} لأنّ ردّه إلى السقاية كقوله: {الذين يَرِثُونَ الفردوس} [المؤمنون: 11]، ثمّ قال: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 11] ردّها إلى الجنّة وقوله: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين} [النساء: 8]، ثمّ قال: {فارزقوهم مِّنْهُ} [النساء: 8]، أي من الميراث.
وقيل: ردّ الكناية إلى السرقة.
وقيل: إنّما أنّثها لأنّ الصواع يُذكر ويُؤنّث فمن أنّثه قال: ثلاث أصوع مثل أدود ومن ذكّره قال: ثلاثة أصواع مثل ثلاثة أثواب.
{كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} يعني كما فعلوا في الابتداء بيوسف فعلنا بهم لأنّ الله تعالى حكى عن يعقوب أنّه قال ليوسف {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} فالكيد جزاء الكيد، قال ابن عباس: كذلك كِدنا أي صنعنا، ربيع: ألهمنا، ابن الأنباري: أردنا.
ومعنى الآية: كذلك صنعنا ليوسف حتى ضمّ أخاه إلى نفسه وفصل بينه وبين إخوته بعلّة كادها الله له فاعتلّ بها يوسف، {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} إليه ويضمّه إلى نفسه {فِي دِينِ الملك} في حكمه وقضائه، قاله قتادة.
وقال ابن عباس: في سلطان الملك، وأصل الدين: الطاعة، وكان حكم الملك في السارق أن يسترقّ ويُغرّم ضعف ما سرق للمسروق منه، وقال الضحّاك: كان الملك إذا أُتي بسارق كشف عن فرجتيه وسمل عينيه، إلاّ أن يشاء الله، يعني أنّ يوسف لم يكن ليتمكّن من أخذ أخيه بنيامين من أخوته وحبسه عنده في حكم الملك لولا ما كِدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجراه على ألسنة إخوته أنّ جزاء السارق الاسترقاق فأقرّوا به وأبدوا من تسليم الأخ إليه، وكان ذلك مُراد يوسف عليه السلام.
{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} بالحكم كما رفعنا يوسف على إخوته.
{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} قال ابن عباس: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كلّ عالم، قال قتادة والحسن: والله ما من عالم على ظهر الأرض إلاّ فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله الذي علّمه ومنه بدأ وإليه يعود، وفي قراءة عبدالله: وفوق كلّ عالم عليم.
وعن محمّد بن كعب القرضي أنّ علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه قضى بقضية فقال رجل من ناحية المسجد: يا أمير المؤمنين ليس القضاء كما قضيت، قال فكيف هو؟ قال: كذا وكذا قال: صدقت وأخطأت، وفوق كلّ ذي علم عليم.
قالوا: فلمّا أخرج الصواع من رحل بنيامين نكَّس إخوته رؤوسهم من الحياء وأقبلوا على بنيامين وقالوا: يا بنيامين أي شيء الذي صنعت، فضحتنا وسوّدت وجوهنا، يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، متى أخذت الصواع؟.
فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه بالبريّة، وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم.
ثمّ قالوا ليوسف: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ}: من أبيه وأُمّه، من قبل، واختلف العلماء في السرقة التي وصفوا بها يوسف، فقال سعيد بن جبير وقتادة: سرق يوسف صنماً لجدّه أبي أمّه كسّره وألقاه في الطريق، الكلبي: بعثته أُمّه حين أرادت أن ترتحل من حران مع يعقوب إلى فلسطين والأردن، أمرته أن يذهب فأخذ جونة فيها أوثان لأبنها أي ذهب فيأتيها بها لكي إذا فقدها أبوها أسلم، فانطلق فأخذها وجاء بها إلى أُمّه، فهذه سرقته التي يعنون.
وعن ابن جريح: كانت أُمّ يوسف أمرتة أن يسرق صنماً خاله يعبده وكانت مسلمة، وروى أبو كريب عن أبي ادريس قال سمعت أبي قال: كان أولاد يعقوب على طعام ونظر يوسف إلى عرق فخبّأه فعيّروه بذلك، وأخبر عبدالله بن السدّي، عن أبيه عن مجاهد أنّ يوسف جاءه سائل إلى البيت فسرق جُبّة من البيت فناولها السائل فعيّروها بها، وقال سفيان بن عيينة: سرق يوسف دجاجة من الطير التي كانت في بيت يعقوب فأعطاها سائلا.
كعب: كان يوسف في المنزل وحده فأتاه سائل وكان في المنزل عتاق وهي الانثى من الجديّ، فدفعها إلى السائل من غير أمر أبيه. وهب: كان يُخبّئ الطعام من المائدة للفقراء.
هشام عن سعد بن زيد بن أسلم في هذه الآية قال: كان يوسف عليه السلام مع أُمّه عند خال له، قال: فدخل وهو صبي يلعب وأخذ تمثالا صغيراً من الذهب، فذلك تعيير اخوانه إيّاه.
وروى ابن إسحاق عن مجاهد عن جويبر عن الضحّاك قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغني أنّ عمّته بنت اسحاق وكانت أكبر أولاد إسحاق، وكانت لها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثوها بالكبر من أختانها ممّن وليها كان له سلماً لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء، وكانت راحيل أُمّ يوسف قد ماتت فحضنته عمّته وأحبّته حُبّاً شديداً، وكانت لا تصبر عنه.
فلمّا ترعرع وبلغ سنوات وقعت محبّة يعقوب عليه فأتاها يعقوب فقال: يا اختاه سلِّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عنّي ساعة، فقالت: لا، فقال: والله ما أنا بتاركه.
قالت: فدعه عندي أيّاماً أنظر إليه لعلّ ذلك يُسلّيني عنه، ففعل، فلمّا خرج يعقوب من عندها عمدت إلى منطقة إسحق فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وهو صغير ثمّ قالت: لقد فقدت منطقة إسحق فانظروا من أخذها فالتمسوها فلم توجد فقالت: اكشفوا أهل البيت، فكشفوهم فوجودها مع يوسف، فقالت: والله إنّه لسلم لي أصنع فيه ما شئت، فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال: إن كان فعل ذلك فهو سلم لك، ما أستطيع غير ذلك، فأمسكته، فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت، فهذا الذي قال أخوة يوسف: إن سرق فقد سرق أخ له من قبل، وهذا هو المثل السائر الذي قال عُذره شرٌ من جرمه.
{فَأَسَرَّهَا} فأضمرها، {يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} وإنّما أنّث الكناية لأنّه عنى بها الكلمة والمقالة وهي قراءة.
{قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} أي شرُّ منزلا عند الله ممّن رميتموه بالسرقة في صنيعكم بيوسف {والله أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} تقولون، قتادة: تكذبون.
وقالت الرواة: لما دخلوا على يوسف واستخرج الصواع من رحل بنيامين دعا يوسف بالصواع فنقر فيه ثمّ أدناه من أُذنه ثمّ قال: إنّ صواعي هذا ليخبرني أنّكم كنتم اثني عشر رجلا وانّكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه، فلمّا سمعها بنيامين قام فسجد ليوسف ثمّ قال: أيّها الملك سَل صواعك هذا عن أخي أين هو فنقره ثمّ قال: هو؟ حيّ وسوف تراه قال: فاصنع فيّ ما شئت فإنّه إن علم بي فسوف يستنقذني، قال: فدخل يوسف فبكى، ثمّ توضّأ وخرج فقال بنيامين: أيّها الملك إنّي أرى أن تضرب صواعك هذا فيخبرك بالحقّ من الذي سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إنّ صواعي هذا عصاني وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت؟
قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يُطاقوا فغضب روبيل، وقال: والله أيّها الملك لتتركنا أو لأصيحنّ صيحة لا تبقي بمصر امرأة حامل إلاّ ألقت ما في بطنها قامت كلّ شعرة في جسد روبيل فجرجت من [......] فمسّه فذهب غضبه، فقال روبيل من هذا؟ إن في هذا البلد لبذراً من بذر يعقوب.
فقال يوسف: ومن يعقوب؟ فغضب روبيل وقال: يا أيّها الملك لا يُذكر يعقوب فإنّه سري الله ابن ذبيح الله ابن خليل الرحمن، قال يوسف إشهد إذاً أنت كنت صادقاً، احتبس يوسف أخاه وصار بحكم اخوته أولى به منهم، فرأوا أنّه لابدّ لهم إلى تخليصه منه سألوه تخليته ببدل منهم يُعطونه إيّاه، {قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً}: متعلّقاً بحبّه يعنون يعقوب، {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}: بدلا منه {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} في أفعالك قيل: إلينا، وقال ابن إسحاق: يعنون إنْ فعلت ذلك كنت من المُحسنين.
{قَالَ} يوسف {مَعَاذَ الله} أعوذ بالله وهو نصب على المصدر، وكذلك تفعل العرب في كلّ مصدر وضع موضع الفعل، تقول: حمداً لله وشكراً لله، بمعنى أحمد الله وأشكره {أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} ولم يقل من سرق تحرّزاً من الكذب، {إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ} إن أخذنا بريئاً بسقيم.
{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} يعني أيسوا من يوسف من أن يُجيبهم إلى ما سألوه {خَلَصُواْ نَجِيّاً} أي خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم، والنجيّ لقوم يتناجون وقد يصلح للواحد أيضاً، قال الله في الواحد: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} [مريم: 52]، وقال في الجمع {خَلَصُواْ نَجِيّاً} وإنّما جاز للواحد والجمع لأنّه مصدر أُبدل نعتاً كالعدل والزور والفطر ونحوها، وهو من قول القائل نجوت فلاناً أنجوه نجيّاً، ومثله النجوى يكون اسماً ومصدراً، قال الله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نجوى} [الإسراء: 47] أي يتناجون وقال: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ} [المجادلة: 7] وقال في المصدر {إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان} [المجادلة: 10] وقال الشاعر:
بني بدا خبّ نجوى الرجال *** وكُ عند سرّك خبّ النجيّ
والنجوى والنجيّ في هذا البيت بمعنى المناجاة، وجمع النجيّ أنجية، قال لبيد:
وشهدتُ أنجية الأفاقة عالياً *** كعبي وأرداف الملوك شهود
وقال آخر:
إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه *** واضطربت أعناقهم كالأرشية
هناك أوصيني ولا توصي بيه.
{قَالَ كَبِيرُهُمْ} يعني في العقل والعلم لا في السنّ وهو شمعون، وكان رئيسهم، قاله مجاهد، وقال قتادة والسدّي والضحاك وكعب: هو روبيل وكان أسنّهم وهو ابن خالة يوسف، وهو الذي نهى إخوته عن قتله، وهب والكلبي: يهودا، وكان أعقلهم، محمد بن اسحاق: لاوي.
{أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله} عهداً من الله {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} اختلفوا في محلّ ما فقال بعضهم: هو نصب إيقاع العلم عليه يعني: ألم تعلموا من قبل فعليكم بهذه تفريطكم في يوسف؟ وقيل: هو في محلّ الرفع على الابتداء، وتمام الكلام عند قوله: من الله يعني: ومن قبلي هذا تفريطكم في يوسف، فيكون ما مرفوعاً يخبر [....] الصفة وهو قوله: ومن قبل، وقيل: ما صلة، ويعني ومن هذا فرّطتم في يوسف أي قصّرتم وضيّعتم، وقيل: رفع على الغاية.
{فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} التي أنا بها وهي أرض مصر {حتى يَأْذَنَ لي أبي} بالخروج منها {أَوْ يَحْكُمَ الله لِي} بالخروج منها وترك أخي بنيامين بها أو معه، وإلاّ فإنّي غير خارج منها، وقال أبو صالح: أو يحكم الله لي بالسيف فأُحارب من حبس أخي بنيامين.
{وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} أفضل وأعدل من يفصل بين الناس.
{ارجعوا إلى أَبِيكُمْ} يقوله الآخر في المحتبس بمصر لإخوته {فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك} بنيامين {سَرَقَ} الصواع، وقرأ ابن عباس والضحاك: سُرِّق بضمّ السين وكسر الراء وتشديده على وجه ما لم يُسمِّ فاعله، يعني أنّه نُسب إلى السرقة مثل: خوّنته وفجّرته [....] أي نسبته إلى هذه الخلال.
{وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} يعني ما كانت منّا شهادة في عمرنا على شيء إلاّ بما علمنا وليست هذه شهادة منّا إنّما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم، وقال ابن اسحاق: معناه: وما قلنا: إنّه سرق إلاّ بما علمنا، قال: وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يسترقّ السارق بسرقته.
{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} قال مجاهد وقتادة: ما كنا نعلم أنّ ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا، فلو علمنا ذلك ما ذهبنا به معنا، وإنّما قلنا ونحفظ أخانا ممّا لنا إلى حفظه منه سبيل، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس يعنون: أنّه سرق ليلا وهم نيام والغيب هو الليل بلغة حمير، وقال ابن عباس: لم نعلم ما كان يعمل في ليله ونهاره ومجيئه وذهابه، عكرمة {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} لعلّها دُسّت بالليل في رحله.
وقيل معناه: قد أُخذت السرقه من رحله ونحن ننظر إليه، ولا علم لنا بالغيب فلعلّهم سَرّقوه ولم يسرق، وهذا معنى قول أبي اسحاق، وقال ابن كيسان: لم نعلم أنّك تنصاب كما أُصبت بيوسف، ولو علمنا ذلك لم نأخذ فتاك ولم نذهب به.
{وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا} يعني أهل القرية وهي مصر، ابن عباس: قرية من قُرى مصر.
{والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا} يعني القافلة التي كنا فيها وكان معهم قومٌ من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام، قال ابن اسحاق: قد عرف الأخ المُحتبس بمصر أنّ إخوته أهل تهمة عند أبيهم لما صنعوا في أمره فأمرهم أن يقولوا هذا الاسم، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} في الآية اختصار معناها، فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ذلك، فقال: بل سوّلت أي زيّنت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً} أردتموه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} يوسف وبنيامين وأخيهما المقيم بمصر {إِنَّهُ هُوَ العليم} بحزني ووجدي على فقدهم {الحكيم} في تدبير خلقه.

1 | 2 | 3 | 4